السبت، 22 أبريل 2017

سفر نشيد الانشاد ج5 تفسير بعض الآيات ذات الايحاءات الجنسية ارثوذكسيا



الاصحاح السابع
. "مفاصل فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ (السلاسل)[172]، صَنْعَةِ يَدَيْ صَانعٍ" [١].
الفخذان يحملان الجسد ويعينانه على الحركة، لهذا فإن مفاصل الفخذين إنما تُشير إلى وحدة الكنيسة المقدسة في المسيح يسوع خلال المحبة. في هذا يقول الرسول: "نكون صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء، إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبًا معًا ومقترنًا بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة" (أف ٤: ١٦). خلال هذه الوحدة ينمو الجسد ويتشدد (كو ٢: ١٩) فتتحقق رسالة الكنيسة.
هذه الوحدة كالسلاسل تربط البشرية معًا مع اختلافها في اللغة والجنس والثقافات، كما تربط الأجيال معًا، فتحمل الكنيسة الروح الجامعية على المستوى المكاني (في كل العالم) والمستوى الزماني (عبر الأجيال)... وهي من صنع يدي صانع ماهر، ألا وهو الروح القدس واهب الشركة.
٣. "وسُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ" [٢].
تُرشم السرة بدهن الميرون في سرّ التثبيت، لأن الروح القدس يقدس الأعضاء الظاهرة كما يقدس الأحشاء الداخلية، ليكون الإنسان بكليته للرب.
حين تحدث الرب مع حزقيال عن بشاعة ما وصل إليه الإنسان والموت الذي حلّ به قال عنه: "أما ميلادك يوم ولدت فلم تقطع سرتك" (حز ١٦: ١٤). فالجنين إذ يخرج من أحشاء أمه يلزم أن تقطع سرته فيخرج إلى نور الحياة الجديدة ككائن حيّ مستقل عن أمه، لا يحتاج إلى الإغتذاء بدمها خلال الحبل السري بل يبدأ ممارسة إنسانيته ليخرج إلى النضوج الكامل. وبنفس الطريقة حين يدخل العروسان إلى الحياة الزوجية يلتزمان أن تقطع فيها حبلا سرتيهما من بيتي أبيهما، ليعيشا الحياة الزوجية الجديدة ويُمارس حبهما الناضج في وحدانية الروح. أقول، هكذا يرى السيد المسيح في كنيسته قد دخلت معه في الحياة الزوجية على مستوى سماوي، وقد قطعت سرتها فصارت كأسًا مدورة أي حملت الطبيعة السماوية (الدائرة التي بلا بداية أو نهاية)، لا يعوزها شراب ممزوج، إذ لم تعد في أحشاء العالم تطلب أفراحه الخارجية... لقد انطلقت كما من بيت أبيها الأرضي لتعيش مع بيت العرس الداخلي في شبع حقيقي وكفاية.
٤. "بَطْنُكِ صُرَةُ (كومة) حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ" [٣].
تحوي الكنيسة في داخلها مخازن غذاء روحي (حنطة) مشبع للنفس يسكن في داخلها السيد المسيح، الخبز الحيّ النازل من السماء، الذي من يأكل منه يحيا إلى الأبد (يو ٦: ٥١). هكذا قد تبدو الكنيسة في خارجها فقيرة وجائعة لكن أحشاؤها مخازن خيرات تشبع النفوس الجائعة، وكما يقول الرسول بولس: "كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (٢ كو ٦: ١٠).
هذه الخيرات محاطة بسياج من السوسن الذكي الرائحة، وكأن ثمار الكنيسة مشبعة وجميلة تجتذب النفوس.
الاصحاح الثامن
"1لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي. 2وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي " [١-٢].
إن كان هذا الأصحاح في جوهره حديث عن الخدمة، فإن أساس الخدمة وأساسها تمتع الخادم أولًا بعريس الكنيسة، حتى متى ألتقي بأخوته يشتمّون فيه رائحة "الحياة" ويتقبلون العضوية في الكنيسة جسد المسيح الحيّ.
في هذا الحديث أيضًا نلاحظ الآتي:
1. أنها تود أن تقبّله كأخ لها، الراضع ثدييّ أمها... فإنه بحسب التقاليد الشرقية القديمة ما كان يليق ممارسة القبلات علانية حتى بين الرجل وزوجته، ولا يستثنى من هذا إلاَّ الأقرباء من الدرجات الأولى كالوالدين والأخوة. لهذا تُريده كأخ لها الراضع ثدييّ أمها، فتأخذه بين ذراعيها، وتظهر معه علانية، وتقبله في حضرة البشرية كلها ولا يلومها أحد.
2. لعل سرّ دعوتها له برجاء "ليتك كأخ ليّ..." إنما تعلن عن شهوة كنيسة العهد القديم التي كانت تنظر إلى الله كمن هو في الخارج، إذ تقول "أجدك في الخارج"، تطلب إليه أن ينزل إلى جنس البشر ولا يبقى منعزلًا، بل يصير أخًا بكرًا باشتراكه معنا في طبيعتنا وحلوله في وسطنا، فنستطيع أن نتعرف عليه، ونقبله بقبلات العبادة العلنية، وندخل به إلى حياتنا الداخلية.
3. وهو أيضًا حديث كنيسة العهد الجديد التي أدركت في نضوح حبها أن السيد المسيح الأخ البكر – وهو ربها وسيدها وعريسها – يُقبله المؤمنون بقبلات العبادة الحية، ويدخلون به إلى بيت أمهم – أورشليم السماوية – ليعيشوا معه وجهًا لوجه في أحضانه الأبدية.
4. أما قولها "أنت تعلمني"... فهو كشف بطبيعة المسيحي الحقيقي والخادم الأمين، فإن كانت النفس تلتقي بعريسها وتقبله وتعيش معه في بيت أمها – الكنيسة أو أورشليم السماوية – وهناك تسقيه من خمر بهجتها الممزوجة من عصير رمانها، لكنها تبقى في أتضاع تُريد أن تتعلم... إنها في حاجة إليه ليعلمها أسراره السماوية، حتى في الأبدية حين تبقى في أحضانه تراه على الدوام جديدًا في عينيها... وكأنها من لحظة إلى أخرى – إن صح هذا التعبير إذ لا يوجد في الأبدية لحظات أو زمن – تتعلم شيئًا جديدًا عن أسراره الإلهية.
الخادم الحقيقي يبقى على الدوام في الكنيسة – بيت أمه – عند قدمي المخلص يطلب أن يتعلم، حتى إن دُعي "معلمًا" أو "أبًا" لكثيرين! في هذا يقول القديس أمبروسيوس[181]: [إننيّ أرغب الجهاد في التعلم حتى أكون قادرًا على التعليم. لأنه يوجد سيد واحد (الله) الذي وحده لا يتعلم ما يعلمه للجميع. أما البشر فعليهم أن يتعلموا قبل أن يعلموا ويتقبلوا من الله معلمهم ما يعلمون به الآخرين]. كما يقول القديس إيرونيموس: [إن الفكر الذي يتوق إلى التعلم يستحق المديح ولو لم يوجد له معلم[182]].
5. التعلم في الكنيسة – بيت الأم – ليس مجرد معرفة عقلية أو حفظ تعاليم عن ظهر قلب، لكنه في جوهره دخول إلى ممارسة "الحياة مع المسيح" لذلك تقول العروس: " فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ عصير رُمَّانِي"... هذا هو ما أتعلمه أن أرد حبك بالحب.
6. حين يدخل الإنسان الكنيسة في صحبة الرب، وهنا يجلس عند قدمي المخلص يتعلم، يُقدم الإنسان خمرًا ممزوجة بعصير الرمان... ماذا يعني هذا؟ رأينا الخمر كرمز الحياة الفرح والبهجة... فالكنيسة هي البيت المفرح الذي يستقبل الخطاة التائبين فيعطيهم الرب فرحًا داخليًا وبهجة لا تقدر الأحداث الزمنية أن تنزعها. أما الرمان فيُشير إلى حياة الجهاد، فشجر الرمان مملوء أشواكًا، وغلافه مرّ، وفي داخله بذور كثيرة، لكن عصيره يحمل نكهة جميلة وطعمًا لذيذًا. فالفرح في المسيحية يمتزج بالأتعاب والجهاد الروحي حتى النهاية.
"8لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟9إِنْ تَكُنْ سُورًا فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ. 10أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً. " [٨ –١٠].
هذه العبارات البسيطة تحمل دستورًا لحياة الخدمة تتلخص بنوده في النقاط التالية:
1. إدراك مركز غير المؤمنين بالنسبة للكنيسة، أنهم يمثلون "الأخت الصغيرة"، ليست أختها فحسب، بل هي أخت للعريس كما للعروس. خلال هذا المنظر لا تتعامل الكنيسة مع غير المؤمنين، حتى المضايقين لها أو المضادين للحق... وإن كانوا حتى ملحدين، على مستوى المعلم مع التلميذ بل الأخ الأكبر الذي يترفق بالأصغر. قد تخطئ الأخت الصغرى في حق الكبرى، فلتحتملها الثانية لأنها "الكبرى"، ولتعطها عذرًا لأن الصغرى ليس لها ثديان... أي لم تكتشف الحق خلال العهدين.
2. إن سرّ ضعف الصغرى أنها بلا ثديين، فعمل الكبرى تقديم كلمة الله أي العهدين القديم والجديد، لكي تتذوقهما الأخت الصغرى وتحبهما وتقتنيهما كثديين لها. هذا هو عمل الكنيسة الإنجيلي... تُقديم كلمة الله الحية لكل إنسان.
3. ماذا تفعل الكنيسة للأخت الصغرى وقد طلبها العريس كخاطب وها هي بلا ثديين؟! لتعاملها بكل عطف وحب، فلا تعيرها ولا تجرح مشاعرها وإنما تترفق بها وتقدم لها كل إمكانية. فإن كانت الصغرى سورًا تبني عليها برجًا فضيًا، وإن تكن بابًا تُحصرها بألواح الأرز... إنها تسندها بالعمل الإيجابي.
تُقدم الأخت الكبرى نفسها وحياتها للصغرى، فتقول لها إن كنتي في حاجة إلى سور يحوط حولك وبرجين يرتفعان بك... فأنا في خدمتك "أنا سور وثدييّ كبرجين". اقبلي السيد المسيح الذي في داخلي سورًا لك وكتابي المقدس ثديين يشبعانك.
4. لا يقف الأمر عند معالجة ما نقص في حياة الأخت الصغرى التي بلا ثديين، لكن الكبرى تبني عليها برجًا من الفضة وتحوطها بألواح أرز... وكأنها تسند أختها حتى تصير خادمة عاملة في كرم الرب. إن عمل الكنيسة هو الدخول بغير المؤمنين إلى الإيمان ودفعهم إلى الشهادة العملية لكلمة الله أمام الغير... بهذا يصيرون كالبرج الفضي (الفضة تُشير لكلمة الله المصفاة كالفضة، والبرج يُشير للشهادة العلنية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق